شهدت أسعار النفط استقرارًا نسبيًا يوم الاثنين، حيث تأرجح خام برنت بالقرب من 63.74 دولار للبرميل، بينما استقر خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي عند حوالي 59.88 دولار. ويأتي هذا الاستقرار في ظل تقييم المستثمرين لعاملين متضاربين: الأول هو التقدم المحرز في واشنطن لإنهاء الإغلاق الحكومي الفيدرالي، والثاني هو المخاوف المستمرة بشأن فائض المعروض في سوق الخام العالمية.
تطورات الإغلاق الحكومي الأمريكي
في خطوة قد تعيد بعض الهدوء للأسواق، تحرك مجلس الشيوخ الأمريكي يوم الأحد نحو إقرار إجراء يهدف إلى إعادة فتح الحكومة الفيدرالية، وإنهاء إغلاق دام 40 يومًا وأثر بشكل كبير على قطاعات مختلفة. ويرى محللون، مثل تاماس فارجا من PVM، أن هذه الخطوة ساهمت في عودة “شهية المخاطرة” إلى الأسواق، مما دعم أسعار النفط.
وكان للإغلاق تأثير مباشر، خاصة على قطاع الطيران، حيث تم إلغاء آلاف الرحلات الجوية، مما أثار قلقًا بشأن انخفاض محتمل في الطلب على وقود الطائرات في أكبر مستهلك للنفط في العالم. وبالتالي، يُنظر إلى إنهاء الإغلاق كعامل إيجابي قد يعزز معنويات السوق والطلب مجددًا.
جدل تخمة المعروض ومخاطر الإمدادات
على الجانب الآخر، لا تزال الضغوط الناتجة عن تخمة المعروض قائمة. كانت أسعار برنت وغرب تكساس قد انخفضت بنحو 2% الأسبوع الماضي، مسجلة ثاني انخفاض أسبوعي لها. ويأتي هذا في الوقت الذي ارتفعت فيه مخزونات الخام في الولايات المتحدة، وتضاعف حجم النفط المخزن على متن السفن في المياه الآسيوية، خاصة بعد أن أدت العقوبات الغربية إلى تقليص الواردات إلى الصين والهند.
يرى أولي هانسن، من ساكسو بنك، أن سوق النفط الخام “عالق في جدل حول العرض”. فمن ناحية، هناك توقعات بزيادة كبيرة في المخزونات العالمية خلال عامي 2025 و2026، مدفوعة بنمو قوي للإمدادات من خارج أوبك وتوقعات متواضعة لنمو الطلب. ومن ناحية أخرى، لا تزال هناك مخاطر مستمرة قد تعطل الإمدادات، وتباين في التزام أعضاء “أوبك+” باتفاقيات الإنتاج، وشح في بعض المنتجات المكررة.
وفي سياق مخاطر الإمدادات، يراقب التجار عن كثب التدفقات النفطية الروسية في أعقاب العقوبات الأمريكية الأخيرة. فقد توقفت مصفاة توبسي الروسية على البحر الأسود عن تصدير الوقود بعد هجمات بطائرات مسيرة، كما تواجه شركة لوك أويل الروسية اضطرابات متزايدة مع اقتراب الموعد النهائي لقطع الشركات الأمريكية تعاملاتها معها.
أمريكا الجنوبية: قاطرة نمو جديدة خارج أوبك
في خضم هذا الجدل حول العرض والطلب، تبرز أمريكا الجنوبية كقوة صاعدة قد تغير موازين سوق النفط العالمية. تقود ثلاث دول هذا التوجه: البرازيل، وغيانا، والأرجنتين. هذه الدول أصبحت من بين أكبر خمسة محركات لنمو النفط العالمي خارج منظمة أوبك.
وتقدم القارة مزيجًا من النفط الأرخص تكلفة مقارنة بالمتوسط، وغالبًا ما يكون بـ”انبعاثات كربونية” أقل نسبيًا لكل برميل، نظرًا لاستخدامه بنية تحتية أحدث وطاقة أنظف في عمليات الاستخراج، خاصة من المصادر البحرية العميقة.
محاور الطفرة النفطية في القارة
تعتبر غيانا نموذجًا صارخًا؛ فهذه الدولة المغطاة بالغابات المطيرة تحولت إلى أحدث “دولة نفطية” في الكوكب، حيث تضخ حاليًا حوالي 650 ألف برميل يوميًا من خزان ضخم في المياه العميقة تم اكتشافه عام 2015.
أما في الأرجنتين، فإن سهول “فاكا مويرتا” (البقرة الميتة) الغبارية تشهد طفرة في إنتاج النفط الصخري، ومن المتوقع أن يتجاوز إنتاجها مليون برميل يوميًا بحلول عام 2030.
لكن “النجم الأبرز” تظل البرازيل، أكبر منتج للنفط والغاز في المنطقة. ويعود الفضل في ذلك إلى حد كبير لاكتشافات “ما قبل الملح” الهائلة في عام 2006، المدفونة تحت طبقات ملح قديمة في قاع المحيط. ولأول مرة في تاريخها، أصبح النفط الخام هو الصادر الأول للبرازيل في عام 2024، متجاوزًا فول الصويا.
البرازيل بين طموحات النفط والتزامات المناخ
يثير هذا التوسع البرازيلي جدلًا واسعًا، فالدولة التي تستعد لاستضافة مؤتمر المناخ COP30، تجد نفسها في مفارقة كبيرة. فقبالة سواحلها الشمالية الشرقية، عند مصب نهر الأمازون، يكمن كنز مزدوج: كنز بيئي يتمثل في شعاب مرجانية ضخمة اكتُشفت مؤخرًا، وكنز اقتصادي يتمثل في مليارات براميل النفط المحتملة تحت قاع البحر.
وتضغط شركة بتروبراس، عملاق النفط الحكومي البرازيلي، بقوة للتنقيب في حوض “فوز دو أمازوناس” المثير للجدل. وعلى الرغم من رفض وكالة البيئة البرازيلية (IBAMA) منحها ترخيصًا في 2023 بسبب مخاوف بيئية، إلا أنها عادت الشهر الماضي ومنحت الضوء الأخضر للتنقيب الاستكشافي “بعد عملية ترخيص بيئي صارمة”.
هذه الدول الثلاث، رغم اختلافاتها الأيديولوجية والسياسية، تتحد في سعيها لزيادة إنتاج النفط، بحجة أنه ضروري لتنميتها الاقتصادية والاجتماعية. ويبقى تساؤلهم مطروحًا: “لماذا لا يأتي إمداد النفط من أمريكا الجنوبية، طالما أن الطلب العالمي لا يزال قويًا؟”.