المفعول المغربي: فوضى في صفوف الشياطين الحمر وطموح عالمي يمهد لكان 2025

في الوقت الذي لا تزال فيه أصداء الأداء المغربي القوي تتردد في الأوساط الكروية العالمية، وتلقي بظلالها الثقيلة على منتخبات عريقة كبلجيكا، يمضي المغرب قُدماً لاستثمار هذه الصحوة الرياضية وتحويلها إلى رأسمال سياحي واقتصادي، خاصة مع اقتراب موعد انطلاق كأس الأمم الأفريقية 2025. القصة هنا ليست مجرد فوز في مباراة، بل هي حكاية أمة تعيد تعريف هويتها عبر كرة القدم، بين خصم يتفكك داخلياً ومضيف يستعد لاستقبال القارة.

تصدعات في جدار “الشياطين الحمر”

لم تكن الهزيمة أمام المغرب مجرد كبوة عابرة للمنتخب البلجيكي، بل تحولت إلى فتيل أشعل أزمة مكتومة بين نجوم الصف الأول، مهددة استقرار الفريق المصنف ثانياً عالمياً. الأجواء في بروكسل وداخل معسكر المنتخب باتت مشحونة بشكل غير مسبوق، حيث طفت الخلافات إلى السطح بشكل “علني” صادم للجماهير الأوروبية. كيفين دي بروين، مهندس خط الوسط ونجم مانشستر سيتي، لم يتردد في توجيه نقد لاذع لزملائه، معتبراً أن “القطار قد فات” لتحقيق اللقب، مبرراً ذلك بتقدم معدل أعمار اللاعبين، في إشارة فُهمت على أنها تشكيك مباشر في قدرات الحرس القديم.

الرد لم يتأخر وجاء من الخط الخلفي، حيث التقط يان فيرتونغن القفاز، موجهاً سهام النقد لخط الهجوم، في تصريح اعتبرته الصحافة البلجيكية رداً انتقامياً على دي بروين. وسائل الإعلام المحلية، التي طالما انتقدت بطء الدفاع المتمثل في فيرتونغن وتوبي ألديرفيريلد (33 عاماً)، رأت في هذا التراشق اللفظي نذير شؤم وانشقاقاً خطيراً يهدد تماسك “الشياطين الحمر” قبل مواجهتهم المصيرية أمام كرواتيا، وهي المباراة التي لا بديل فيها عن الفوز لضمان البقاء، عكس الكروات الذين يكفيهم التعادل.

المغرب.. أرض كرة القدم

على الجانب الآخر من البحر المتوسط، وبينما تعاني بلجيكا من تبعات “العقدة المغربية”، استغل المكتب الوطني المغربي للسياحة (ONMT) هذه الزخم الكروي الهائل لإطلاق حملته الاستراتيجية “المغرب، أرض كرة القدم”. ومع تبقي شهر واحد فقط على انطلاق صافرة كأس الأمم الأفريقية (كان 2025) في 21 ديسمبر، كشفت الرباط عن رؤية طموحة تهدف لترسيخ مكانة المملكة كوجهة عالمية مفضلة لعشاق الساحرة المستديرة.

هذه الخطوة تأتي تتويجاً لشراكة استراتيجية أُبرمت في أبريل الماضي بين المكتب الوطني للسياحة والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وتمتد حتى عام 2030. أشرف فايدة، المدير العام للمكتب، أكد أن الخطة وُضعت جنباً إلى جنب مع الجامعة لاستغلال “قوة كرة القدم” في الترويج للمغرب كوجهة سياحية من الطراز الرفيع. وفي حفل أقيم بالرباط، بحضور فوزي لقجع وشخصيات إعلامية ورياضية، تم استعراض التدابير الرامية لتحويل حماس الملاعب والطاقة التي يبثها “أسود الأطلس” إلى محرك جذب سياحي حقيقي.

استراتيجية استقطاب شاملة

لم يترك القائمون على الحملة شيئاً للصدفة؛ فقد تم تنفيذ خطة تصعيدية دقيقة بدأت بلقاءات مهنية مع منظمي الرحلات السياحية الأفارقة لتعريفهم بالبنية التحتية الرياضية والسياحية للمملكة، ما أثمر عن باقات خاصة ببطولة “الكان”. الحملة لم تتوقف عند الحدود القارية، بل امتدت لتشمل جولات ترويجية في العواصم الأوروبية الكبرى، حيث وجه المكتب دعوة صريحة للجالية الأفريقية المقيمة في أوروبا، والشتات المغربي في دول مثل فرنسا، بلجيكا، إسبانيا، وهولندا، للمشاركة في هذا العرس الأفريقي.

وعلى صعيد اللوجستيات، تم تعزيز الشراكات الجوية لتوفير رحلات إضافية تواكب الطلب المتزايد خلال البطولة. وقد أدت هذه التحركات، المدعومة بشراكات تجارية توفر باقات شاملة للنقل والإقامة، إلى زيادة ملموسة في الطلب على تذاكر “كان 2025″، مما يعزز مكانة المغرب كمنصة طبيعية لكرة القدم في القارة السمراء.

هوية بصرية تعكس الشغف

في قلب هذه الحملة، يبرز الفيلم الترويجي “المغرب، أرض كرة القدم”، الذي يُبث تزامناً في المغرب و12 دولة أخرى. العمل الفني الذي يمتد لـ 90 ثانية يوثق كيف تتنفس المملكة كرة القدم في كل زاوية وركن، وبمختلف الفئات العمرية. يظهر نجوم المنتخب، أشرف حكيمي وبراهيم دياز، ليس فقط كلاعبين، بل كداعمين ومُلهمين للجيل الجديد، مما يضفي مصداقية دولية ويربط بين الأداء الرياضي العالي والثقافة الشعبية.

الفيلم يعتمد لغة بصرية ذكية، حيث تلعب الشمس دور الراوي والشاهد—في إحالة لحملة “المغرب، أرض الأنوار”—لتربط بين الأماكن والمشاعر، مدعومة بموسيقى تصويرية دافئة أعادت فيها مريم أبو الوفا توزيع أغنية “Can’t Take My Eyes Off You”. وتكتمل الصورة الرقمية بتحديث تطبيق “YALLA” ليقدم دليلاً شاملاً للمشجعين، بالإضافة إلى مبادرة “Visit Cup Africa” التي تستضيف 24 صانع محتوى لنقل الأجواء الحماسية من قلب الحدث، ليكون المغرب بذلك قد ربح الرهان مرتين: مرة حين زلزل عروش الكبار في الملاعب، ومرة حين جعل من تلك الانتصارات دعوة مفتوحة للعالم لزيارة أرضه.